لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
لك الحمد حمداً طيباً يملأ السماء *** وأقطارها والأرض والبر والبحرا
لك الحمد حمداً سرمدياً مباركاً *** يقل مداد البحر عن كتبه حصراً
لك الحمد مقروناً بشكرك دائماً *** لك الحمد في الأولى لك الحمد في الأخرى
لك الحمد حمداً طيباً أنت أهله *** على كل حال يشمل السر والجهرا
لك الحمد كم قلدتنا من صنيعة *** وأبدلتنا بالعسر يا ربنا يسراً
يا رب جئتك سبحانك يا من أتتك الأرض والسماء طائعة وتطامنت الجبال لعظمتك خاشعةً ووكفت العيون عند ذكرك دامعة، ترنم الرعد بتسبيحك لمع البرق بتمجيدك، شدا الطير بذكرك هدل الحمام بشكرك عبادتك شرف والذل لك عزة والافتقار إليك غنى والتمسكن لك قوة محاربتك خذلان والكفر بك لعنه والتنكر لجميلك عذاب
الله أكبر بكرةً وأصيلاً *** وله الثناء مرتلاً وجميلاً
الله أكبر كلما هتفت به *** مهج العباد وسبحته طويلاً
الله أكبر ما تطوف محرمٌ *** بالبيت أو لبى له تبتيلاً
الله أكبر في السماوات العلى *** والأرض حيث تجاوبت تهليلاً
ابن آدم ، يا مدبر العمر يا صريع الدهر يا ساكن مساكن الموتى يا مؤمل ما لا يدرك السالك سبيل من قد هلك يا عرض الأسقام يا رهينة الأيام يا رمية المصائب يا عبد الدنيا يا تاجر الغرور يا غريم المنايا يا أسير الموت يا خليفة الأحزان يا نهب الآفات يا صريع الشهوات يا خليفة الأموات ، يا بن التراب ومأكول التراب غداً ، يارب جئتك منك الفرار وإليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك
إنا محبوه آثرنا الحياة له *** فلا نلام على إحياء تقواه
إن كان حبي جنوناً بئسما زعموا *** يارب زدني جنوناً أنت منحاه
قالوا اتخذ لك جاهاً تستعين به *** قلت أتخذت فكفوا حسبي الله
وصدق الله { ورحمتي وسعت كل شيء }
يا رب جئتك
قلها أيها الأخ المبارك قوليها أيتها الأخت المباركة ليقولها الصغير والكبير والذكر والأنثى والحاكم والمحكوم كل أحد الأرض اقشعرت والسماء أظلمت وفي البر والبحر فساد ظهر كثرت الفتن وذهبت البركات وقلت الخيرات قست القلوب ضعف الإيمان وقل النصير فتوراً بدء ووهن إلى القلب تسرب فإلى من نشتكي ؟ وإلى من نفر ؟ وإلى من نلجأ؟ إليه نشكو وله نفر وما من ملجأ ولا منجا إلا منه وإليه .
بك استجير ومن يجير سواكا *** فأجر ضعيفاً يحتمي بحماكا
إني ضعيف استعين على قوى *** ذنبي ومعصيتي ببعض قواكا
أذنبت يا ربي وآذتني ذنوبٌ *** مالها من غافر إلا كا
أنا كنت يا ربي أسير غشاوةٍ *** رانت على قلبي فضل سناكا
واليوم يا ربي مسحت غشاوتي *** وبدأت بالقلب البصير أراكا
يا غافر الذنب العظيم وقابلاً *** للتوب قلب تائبٌ ناجاكا
أترده وترد صادق توبتي *** حاشاكا ترفض تائباً حاشاكا
يا رب جئتك نادماً أبكي على *** ما قدمتهُ يداي لا أتباكا
أخشى من العرض الرهيب عليك يا *** ربي وأخشى منك إذ ألقاكا
يا ربِ عدت إلى رحابك تائباً *** مستسلماً مستمسكاً بعراكا
مالي وما للأغنياء وأنت يا *** رب الغني ولا يحد غناكا
ومالي و ما للأقوياء وأنت يا *** ربي ورب الناس ما أقواكا
مالي وأبواب الملوك وأنت من *** خلق الملوك وقسم الأملاكا
إني أويت لكل مأوى في الحياة *** فما رأيت أعز من مأواكا
وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة *** فلم تجد منجى سوى منجاكا
وبحثت عن سر السعادة جاهداً *** فوجدت هذا السر في تقواكا
فليرض عني الناس أو فليسخطوا *** أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
أدعوك يا ربي لتغفر حوبتي *** وتعينني وتمدني بهداكا
فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي *** ما خاب يوماً من دعا ورجاكا
هيا أيها التائبون رياح الأسحار تحمل أنيناً وظلمات الليل وضوء النهار ترتفع بأنفاسكم أرفعوا قصص الإعتذار مضمونها يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ليأتي التوقيع عليها لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين وأعلم أنه من صفا صفي له ومن كدَر كُدِر عليه ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله وإنما يكال للعبد كما كال ومن صحت بدايته صحت نهايته ذكر ابن قدامه في كتابه التوابين، قال
كان الأمير " موسى بن سليمان الهاشمي " من أنعم أبناء أبيه عيشاً " ، وأرخاهم بالاً ، يعطى نفسه مرادها من جميع اللذات!!، وكان شاباً جميلاً وسيماً ، مع ثرائه الواسغ وغناء الوافر يجرى عليه من ضياعه وعقاراته كل عام قرابة ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف درهم ، وكانت له قبة على موضع عال، يجلس فيها بالعشيات ينظر إلى الناس، وإلى بساتينه وأراضيه، وكانت تلك القبة من العاج مخروطة من أنياب الفيل مضببة بالفضة قد طلى بالذهب وعلق من القبة سلسلة ذهب منظومة بالجواهر واللؤلؤ، تضيء القبة من الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر، والعقيق الأصفر، كل حبة كالجوزة، وعلق على الأبواب المشرعة الستور المضربة الموشاة المنسوجة بالذهب، ومعه في القبة ندماؤه واصدقاؤه، والمجامر منصوبة لا ترفع عن البخور، وقد وقف على رأسه الخدم بأيديهم المراوح، ووقف المغنيات والراقصات بحذائه في مجلس خارج القبة يراهن، فإذا نظر عن يمينه رأى نديماً قد اصطفاه،وإن نظر عن يساره رأى أخا وصفياً قد اجتباه، وإن رفع طرفه نظر إلى خدم قيام قد اختارهم ، فإن تكلم سكتوا ، وإن قدم قاموا، هذا دأبه وحاله إلى أن يذهب الليل ويذهب عقله، فيخرج الندماء ويخلو مع الوصفاء والمغنيات، فإذا أصبح اشتغل بالنظر إلى لعابين بين يديه بالنرد والشطرنج ، لا يذكر بين يديه موت ولا سقم ولا مرض، فبينما هو في قبته تلك ذات ليلة وحول الندماء والوصفاء ، وقد مضى بعض الليل، إذ سمع نغمة من حلق ندي شجي، خلاف ما يسمع من مطربيه، فأخذت بمجاميع قلبه، وسلبت فؤاده ، فأشار إلى من حوله: أن اسكتوا، وأخرج رأسه من نافذة يتسمع الصوت الذي وقع بقلبه 0 ثم صاح بغلمانه : اطلبوا صاحب هذا الصوت، فخرج الغلمان يطوفون فإذا هم بشاب نحيل الجسم، شعت الرأس، حافي القدمين قائم في المسجد يناجي ربه ويصلي ويقرأ القرآن ، فأخذوه وأدخلوه على الأمير، وأخبروه أنهم وجدوه في المسجد قائماً يصلي !! فقال الأمير لذلك الشاب : ما كنت تقرأ؟ !! قال : كلام الله !! قال : فأسمعني بتلك النغمة، فقرأ الشاب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { إن الأبرار لفي نعيم } إلى قوله { يشرب بها المقربون } ( المطففين :22 – 28) ثم قال له : أيها الأمير المغرور، إنها خلاف مجلسك وفرشك، إنها أرائك مفروشة بفرش مرفوعة { بطائنها من استبرق } ، { على رفرف خضر وعبقري حسان } ، يشرف ولي الله منها على عينين تجريان في جنتين { فيهما من كل فاكهة زوجان } ، { لا مقطوعة ولا ممنوعة } ، { في ظلال وعيون ، { أكلها دائم وظلها تلك عقبي الذين اتقوا وعقبي الكافرين النار } ، { لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون } ، { في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر } ، { يود المجرم لو يفتدي من عذاب يؤمئذ ببنيه } ، وهم في جهد جهيد وعذاب شديد ، ومقت من رب العالمين!!
فقام الأمير الهاشمي من مجلسه، وعانق الشاب وبكى ، وصاح بندمائه: انصرفوا عني، وخرج إلى صحن داره، وقعد على حصير ، مع ذلك الشاب ينوح ويبكي على شبابه وذنوبه الماضيات، والشاب يعظه وينصحه إلى أن أصبح وقد عاهد إلى الله إلا يعود إلى المعاصي أبداً ، ثم رد المظالم إلى أهلها، وأعتق عبيدة وجواريه وتصدق بالكثير من أمواله، ثم اجتهد في العبادة ، فكان يصوم النهار ويقوم الليل، حتى كان إخوانه الصالحون يعاتبونه ويقولون له: ارفق بنفسك فإن المولى كريم ، يشكر اليسير ، ويثيب على الكثير ، فكان يقول لهم: يا قوم أنا أعرف بنفسي إن جرمي عظيم ،فقد عصيت مولاي بالليل والنهار، وكان يبكي كثيراً ، ثم إنه خرج إلى البيت الحرام حاجاً وكان يدخل الحجر بالليل ينوح على نفسه ويقول : سيدي لم أراقبك في خلواتي، سيدي ذهبت شهواتي وبقيت تبعاتي وحسراتي فالويل لي يوم ألقاك، والويل كل الويل من صحيفتي إذا نشرت مملوءة من فضائحي وخطاياي، بل حل بي الويل من مقتك إياي وتوبيخك لي في إحسانك إلي ومقابلتي نعمتك بالمعاصي، وأنت مطلع على أفعالي، سيدي إني لا أستحق أن أسألك الجنة ، بل أسألك بجودك وكرمك وتفضلك أن تغفر لي وترحمني، فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة.
قال " محمد بن السماك" : فبينا أنا ذات ليلة في الطواف إذ سمعت نغمته وبكاءه، فحركني وأقلقني فاقتربت منه وسألته، فعرفني وحكى لي قصة توبته، ثم أخذني معه إلى غرفته وقال لي: مازلت متشوقاً إلى لقائك حتى تداوي جرحي بمرهم كلامك، فقلت له: اجعل الموت نصب عينيك ، واعلم أن بين يديك عقبة عليها المسلك غداً ، لا يقطعها إلا الورعون عن محارم الله تعالى، فأعد العدة والجواب فإنك قادم لا محالة على أحكم الحاكميين وديان يوم الدين ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وهو (أي الهاشمي) في كل منصت يسمع ثم اطرق شبه المفكر، فقمت من عنده وخرجت فلما أصبح الصباح، تصرفت في حوائجي فدخل على وقت الظهر وأنا في الطواف ، وإذا الناس يتراكضون نحو باب الصفا، فقلت: ما الخبر قالوا : جنازة غريب، فخرجت وصليت على تلك الجنازة وقلقت على صاحبي الهاشمي فذهبت فوري، إلى تلك الدار وسألت عنه فقالوا: أجرك الله، ألم تشهد جنازته، ألست صاحبه البارحة، قلت: نعم قالوا: إنك لم خرجت من عنده لم يزل يقول: فؤادي ، فؤادي ذنبي ذنبي إلى أن مضى عامة الليل وهو يبكي ثم سكن فلما أصبح انبهناه للصلاة فإذا هو فارق الدنيا، ولم يشهد خروج روحه أحد ولم يغمض.
فقلت لهم: وهل عرفتموه؟ قالوا: لا، كان غريباً من الحجاج نزل عندنا، ما رأينا ولا سمعنا بمثله، نهاره صائم لله تعالى وليله قائم يصلي ، ويبكي وينوح على نفسه كأن ذنوب العباد هو المطالب بها. [ من كتاب التوابين لابن قدامه]
يا باغي الخير أقبل فالباب غير مقفل يا من أذنب وعصى وأخطأ وعتى، تعال فلعل وعسى يا من بقلبه من الذنوب جروح تعال فالباب مفتوح، والكرم يغدو ويروح، يا من ركب مطايا الخطايا تعال إلى ميدان العطايا، يا من اقترفوا فاعترفوا لا تنسوا { قل يا عبادي الذين أسرفوا } يا من بذنب باء وقد أساء تذكر يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء يقول صاحب رسالة أخي الشاب إلى أين تسير قال صاحب القصة كنا ثلاثة من الأصدقاء يجمعنا الطيش والعبث لا بل أربعة فقد كان الشيطان رابعنا نذهب لاصطياد أعراض المسلمين بالكلام المعسول نستدرجهن إلى الإستراحات في المزارع البعيدة بعد موت قلوبنا وأحاسيسنا ومشاعرنا هكذا كانت حياتنا يقول أيامنا و ليالينا في المزارع في المخيمات في السيارات على الشواطئ إلى أن جاء يوم وذاك اليوم لا ينسى ذهبت إلى المزرعة مع أصحابي كل شيء جاهز الشراب جاهز و الفريسة نعوذ بالله نسينا الطعام ذهب أحدنا لشراء طعام العشاء بسيارته في حوالي السادسة تقريباً مرت الساعة دون أن يعود وفي العاشرة شعرت بالقلق وشعرت بالضيق إنطلقت بسيارتي أبحث عنه وفي الطريق شاهدت ألسنة النيران تندلع على جانبي الطريق فوجئت بأنها سيارة صديقي النار تلتهمها مقلوبة على أحد جانبيها كالمجنون أسرعت محاولاً إخراجه من السيارة وجدت نصف جسده قد تفحم لم يزل على قيد الحياة سحبته إلى الأرض فتح عينيه وأخذ يهذي النار..النار..النار قررت حمله بسيارتي إلى المستشفى فقال بصوتٍ باكٍ لا فائدة لن أصل ما عسى يغني غريقٌ عن غريق خنقتني العبرة والدموع أراة يموت أمامي ثم فوجئت به يبكي ويصرخ بأعلى صوته ماذا أقول له ماذا أقول له دهشت وقلت له من هو قال: الله الله ماذا أقول له، ثم صرخ صرخةً مدوية ولفظ آخر أنفاسه وأجتاح الرعب جسدي ومشاعري صورته لا تفارقني النار النار والنار تلتهمه وماذا أقول له تساءلت وأنا أيضاً ماذا أقول له وإذا بالمنادي ينادي الله أكبر الله أكبر نداء صلاة الفجر أحيا فيّ كل جارحة أحسست أنه نداءٌ خاصٌ بي يهز أعماقي يدعوني إلى الهداية والسعادة إغتسلت وتطهرت أسقطت عن جسدي وروحي ثقل رذائل غرقت فيه سنوات وسنوات وصليت صلاة الفجر ومن يومها لم تفتني صلاة.
التوبة تجب ما قبلها وتعم بركتها أهلها يقول صلى الله عليه وسلم: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)) فهنيئاً لمن تاب وأناب قبل أن يغلق الباب، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( قال الشيطان وعزتك يا رب لا أبرح أغوي بني آدم مادامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب تعالى وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر لهم ما استغفروني)) رواه أحمد في المسند (3/29) والبغوي في شرح السنة(193)
يا رب جئتك أجمل الكلمات وأحسن العبارات لدى رب الأرض والسماوات قول العبد يا رب أذنبت يا رب أسئت يا رب أخطأت وأسمع جوابها إذ رضي عنك عبدي قد غفرت وسامحت وسترت وصفحت وتذكر)وإني لغفارٌ لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى( الإعتراف بالإقتراف طبيعة الأشراف، قف بالباب وقل أذنبنا وطف بتلك الديار وقل تبنا وارفع يديك وقل أنبنا(أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم) إطرح نفسك على عتبة الباب ومد يدك وقل ياوهاب، أرغم أنفك بالطين وناد رحمتك ارجو يارب العالمين، يامن أسرفت بالذنوب والمعاصي قف واسمع وأرع السمع جاء رجل إلى العبد الصالح إبراهيم بن ادهم 0
جاء رجل صالح إلى العبد الصالح " إبراهيم بن أدهم" رحمه الله، فقال: يا أبا إسحاق : إني رجل مسرف على نفسي بالذنوب والمعاصي ، فأعرض علي ما يكون زاجراً لي عنها، وهادياً لقلبي !! فقال "إبراهيم " : إن قبلت مني خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية قط، ولم توبقك لذة!! فقال الرجل: هات يا أبا سحاق!!
قال: أما الأولى : فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل، فلا تأكل رزقه ، فقال الرجل: فمن أين آكل؟، وكل ما في الأرض من رزقه ؟!! فقال إبراهيم : يا هذا أفيحسن أن تأكل رزق الله وتعصيه؟ قال: لا !! هات الثانية.
قال " إبراهيم": يا هذا إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئاً من بلاده!! فقال الرجل: هذه أعظم من الأولى ، يا أبا إسحاق: إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له تعالى، فأين أسكن؟!! قال: يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده ثم تعصبه؟ قال: لا !! هات الثالثة!!
قال" إبراهيم" : إذا أردت أن تعصيه وأنت تأكل رزقه وتسكن بلاده، فانظر موضعاً لا يراك فيه مبارزاً له فاعصه فيه !! قال: يا إبراهيم!! كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر والضمائر ؟ قال إبراهيم : يا هذا أفيحسن أن تأكل من رزقه وتسكن في بلاده وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به ؟ قال الرجل : لا ، هات الرابعة.
قال " إبراهيم " : إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك ، فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحاً وأعمل لله عملاً صالحاً، فقال الرجل: لا يقبل مني ولايؤخرني !! فقال إبراهيم :يا هذا !! فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب ، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟!! قال الرجل: هات الخامسة!!
قال " إبراهيم" : إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار، فلا تذهب معهم !! قال الرجل: إنهم لا يدعونني ولا يقبلون مني!! فقال إبراهيم: فكيف ترجو النجاة إذن؟ فقال الرجل: يا إبراهيم " حسبي حسبي !! أنا أستغفر الله وأتوب إليه!! ثم لزمه وشاركة في العبادة والاجتهاد في الطاعات، حتى فرق بينهما الموت !!
يارب مالي غير لطفك ملجأ *** ولعلني عن بابه لا أطرد
يارب هب لي توبةً اقضي بها *** ديناً علي به جلالك يشهد
أنت الخبير بحال عبدك إنه *** بسلاسل الوزر الثقيل مقيد
أنت المجيب لكل داع يلتجي *** أنت المجير لكل من يستنجد
من أي بحر غير بحرك نستقي *** ولأي باب غير بابك نقصد
توبة شابين:
" على حضرات الركاب المسافرين على الرحلة رقم ..... والمتوجهة إلى ..... التوجه إلى صالة المغادرة استعداداً للسفر"
دوى هذا الصوت في جنبات مبنى المطار، أحد الدعاة كان هناك جالساً في الصالة وقد حزم حقائبه ، وعزم على السفر إلى بلاد الله الواسعة للدعوة إلى الله عز وجل، وسمع هذا النداء فأحس بامتعاض في قلبه، إنه يعلم لماذا يسافر كثير من الناس إلى تلك البلاد وخاصة الشباب 0
وفجأة لمح هذا الشيخ شابين في العشرين من عمرهما أو تزيد قليلاً وقد بدا من ظاهرهما ما يدل على أنهما لا يريدان إلا المتعة الحرام من تلك البلاد التي عرفت بذلك.
" لابد من إنقاذهما قبل فوات الأوان" قالها الشيخ في نفسه، وعزم على الذهاب إليهما ونصحهما فوقف الشيطان في وجهه وقال له: مالك ولهما؟ دعهما يمضيان في طريقهما ويرفها عن نفسيهما، إنهما لن يستجيبا لك"0
ولكن الشيخ كان قوي العزيمة ، ثابت الجأش، عالماً بمداخل الشيطان ووساسة، فبصق في وجه الشيطان، ومضى في طريقه لا يلوى على شيء وعند بوابة الخروج، استوقف الشابين بعد أن ألقى عليهما التحية، ووجه إليهما نصيحة مؤثرة ، وموعظة بليغة وكان مما قاله لهما: " ما ظنكما لو حدث خلل في الطائرة، ولقيتماـ لا قدر الله ـ حتفكما وأنتما على هذه النية قد عزمتما على مبارزة الجبار ـ جل جلاله ـ فبأي وجه ستقابلان ربكما يوم القيامة؟ وذرفت عينا هذين الشابين ، ورق قلباهما لموعظة الشيخ وقاما فوراً بتمزيق تذاكر السفر، وقالا: يا شيخ : لقد كذبنا على أهلينا وقلنا لهم ذاهبان إلى مكة أو جدة، فكيف الخلاص؟ وماذا نقول لهم؟
وكان مع الشيخ أحد طلابه ، فقال : اذهبا مع أخيكما هذا وسوف يتولى إصلاح شأنكما.
ومضى الشابان مع صاحبهما وقد عزما على أن يبيتا عنده أسبوعاً كاملاً ومن ثم يعودا إلى أهلهما0
وفي تلك الليلة ، وفي بيت ذلك الشاب ـ(تلميذ الشيخ) ـ ألقى أحد الدعاة كلمة مؤثرة زادت من حماسهما ، وبعدها عزم الشابان على الذهاب إلى مكة لأداء العمرة ، وهكذا : أراد شيئاً، وأراد الله شيئاً آخر فكان ما أراد الله ـ عز وجل ـ .
وفي الصباح، وبعد أن أدى الجميع صلاة الفجر، انطلق الثلاث صوب مكة ـ شرفها الله ـ بعد أن أحرموا من الميقات000
وفي الطريق كانت النهاية أو في الطريق كانت الخاتمة وفي الطريق كان الانتقال لدار الآخرة، فقد وقع لهم حادث مروع ذهبوا جمعياً ضحيته فاختلطت دماؤهم الزكية بحطام الزجاج المتناثر، ولفظوا أنفاسهم الأخيرة تحت الحطام وهم يرددون تلك الكلمات الخالدة " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك …. ألخ"
كم بين موتهما وبين تمزيق تذاكر سفرهما لتلك البلاد المشبوهة؟ إنها أيام بل ساعات معدودة ولكن الله أراد لهما الهداية والنجاة، ولله الحكمة البالغة سبحانه.
أخي المسلم : إذا نازعتك نفسك الإمارة بالسوء إلى معصية الله ورسوله فتذكر هادم اللذات وقاطع الشهوات ومفرق الجماعات، الموت، واحذر أن يأتيك وأنت على حال لا ترضي الله ـ عز وجل ـ فتكون من الخاسرين .
وإذا خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى العصيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني
شتان بين من يموت وهو في أحضان المومسات، ومن يموت وهو ساجد لرب الأرض والسموات.
شتان من يموت وهو عاكف على آلات اللهو والفسوق والعصيان، ومن يموت وهو ذاكر لله الواحد الديان، فاختر لنفسك ما شئت .
للتوبة أسرار ولأصحابها أخبار جاء في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري ومسلم....عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: (أذنب عبد ذنباً فقال اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: (أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى
عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: (أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك)
قال عبد الأعلى لا أدري أ قال في الثالثة أوالرابعة اعمل ما شئت كل ذلك بالتوبة( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)
قال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي وذكر ابن أبي الدنيا حديثاً مرسلاً :"إن الأرض تزلزلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها ، ثم قال : اسكني فإنه لم يأن لك بعد!! ثم التفت إلى أصحابه فقال: إن ربكم ليستعتبكم فاعتبوه!! ثم تزلزلت بالناس على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أيها الناس ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيء أحدثتموه!! (أي معاصي ارتكبتموها)، والذي نفسي بيده لئن عادت (أى تكررت الزلزلة) لا أساكنكم فيها أبداً !!
وفي مناقب عمر " لابن أبي الدنيا: "إن الأرض تزلزلت على عهد "عمر" فضرب يده عليها وقال : ما لك ما لك !! أما إنها لو كانت القيامة قد حدثت أخبارها !! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا كان يوم القيامة فليس فيها ذراع ولا شبر إلا وهو ينطق!! وقال "كعب" : "إنما تتزلزل الأرض إذا عمل فيها بالمعاصي!! فترعد (أي تهتز وترتجف) فرقاً من الرب عز وجل أن يطلع عليها!!
وكتب عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إلى الأمصار: "أما بعد : فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله عز وجل به العباد، وقد كتبت إلى سائر الامصار يخرجوا في يوم كذا وكذا وفي شهر كذا وكذا، فمن كان عنده شيء فليتصدق به !!، 000، وقولوا كما قال آدم عليه السلام: [ ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لتكونن من الخاسرين] وقولوا كما قال نوح عليه السلام:[وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين]، وقولوا كما قال يونس عليه السلام: [لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين] 0 (كتاب الجواب الكافي لابن القيم )
قلها وإلا تذكر قول الشاعر
والنار مثوى لأهل الكفر كلهم *** طباقها سبعة مسودة الحفر
جهنم ولظى والحطم بينهما *** ثم السعير كما الأهوال في سقر
وتحت ذاك جحيم ثم هاوية *** يهوى بها أبداً سحقاً لمحتقر
في كل باب عقوبات مضاعفة *** وكل واحدة تسطو على النفر
فيها غلاظ شداد من ملائكة *** قلوبهم شدة أقسى من الحجر
لهم مقامع للتعذيب مرصدة *** وكل كسر لديهم غير منجبر
سوداء مظلمة شعثاء موحشة *** دهماء محرقة لواحة البشر
فيها الجحيم مذيب للوجوه مع *** الأمعاء من شدة الإحراق والشرر
فيها الغساق الشديد البرد يقطعهم *** إذا استغاثوا بحر ثم مستعر
فيها السلاسل والأغلال تجمعهم *** مع الشياطين قسرا جمع منقهر
فيها العقارب والحيات قد جعلت *** جلودهم كالبغال الدهم والحمر
والجوع والعطش المضني لأنفسهم *** فيها، ولا جلد فيها لمصطبر
لها إذا ما غلت فور يقلبهم *** ما بين مرتفع منها ومنحدر
جمع النواصي مع الأقدام صيرهم *** كالقوس محنية من شدة الوتر
يا أمان الخائفين سبحانك ما أحلمك على من عصاك وما أقربك ممن دعاك وما أعطفك على من سألك وما أرافك بمن أملك، من الذي سألك فحرمته، ومن الذي فر إليك فطردته أو لجأ إليك فأسلمته ، أنت ملاذنا ومنجانا فلا نعول إلا عليك ولا نفر من خلقك ومنك إلا إليك يا أمان الخائفين ،
أخي ما لي أراك في الذنوب تعجل، وإذا زجرت عنها لا تقبل ويحك أنتبه لقبح ما تفعل
لأن الأيام في الآجال تعمل ، تفكر في الدنيا وحقارتها وقلة وفائها وكثرة جفائها وخسة شركائها وسرعة انقضائها تفكر في أهلها وعشاقها وهم صرعى حولها قد عذبتهم بأنواع العذاب وأذاقتهم أمر الشراب اضحكتهم قليلاً وابكتهم طويلاً سقتهم كؤوس سمها بعد كؤوس خمرها فسكروا بحبها وماتوا بهجرها ، ذكر ابن قدامه في كتابه التوابين 0
روى أن رجلاً يقال له دينار العيار"، كان مسرفاً على نفسه في الذنوب والآثام وكانت له والدة تعظه وتذكره بالموت والآخرة ولكنه كان لا يرتدع ولا يتعظ فمر في ذات يوم على مقبرة كثيرة العظام !! فأخذ منها عظماً بالياً، فتفتت في يده، ففكر في نفسه وقال : ويحك يا " دينار" كأني بك غداً وقد صار عظمك رفاتاً وجسمك تراباً وأنا اليوم أقدم على المعاصي وأبارز مولاي بالكبائر فندم وعزم على التوبة ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي وسيدي : إليك القيت مقاليد أمري ، وقد أتيتك تائباً نادماً فاقبلني وارحمني !!
ثم مضى نحو أمه متغير اللون فأخبرها بعزمه على التوبة ففرحت بذلك فرحاً شديداً ودعت الله أن يقبله ويثبته على الخير !! وصدق دينار في توبته!! واجتهد في العبادة ودوام على الطاعات فكان يصوم النهار ويقوم الليل يبكي وينوح على ذنوبه وخطاياه السالفات وكان إذا أقبل عليه الليل، وقف في محرابه يناجي ربه ويبكي ذنوبه السالفات ويجأهش بالبكاء والعويل قائلاً: ويحك يادينار !! ألك صبر على النار؟!! كيف تعرضت لغضب الجبار؟!! أم كيف تجرأت على معاصي الملك القهار؟!! فما يزال كذلك إلى الصباح فقالت له أمه في بعض الليالي: ارفق بنفسك يا ولدي!! فقال: يا أماه : دعيني أتعب قليلاً لعلي أستريح طويلاً !! يا أماه : إن لي موقفاً طويلاً بين يدي رب جليل ولا أدري أيؤمر بي إلى الظل الظليل أو إلى شر مقبل ، يا أماه : إني أخاف عناء لا راحة بعده، وتوبيخاً لا عفو معه!! فقالت له أمه: فاسترح قليلاً!! فقال: الراحة أطلب!! أتضمنين لي الخلاص؟!! فقالت: فمن يضمنه لي؟!! قال:فدعيني وما أنا عليه!! كأنك يا أماه بالخلائق غداً يساقون إلى الجنة!! وأنا أساق إلى النار!!0
ثم إن أمه مرت في بعض الليالي وهو يصلي ويقرأ { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } الحجر {92 ،93 } ففكر فيها وبكى بكاء شديداً وجعل يضطرب كالحية حتى خر مغشياً عليه فجاءت أمه إليه ونادته فلم يجبها فقالت: قرة عيني وثمرة فؤادي!! رد جوابي !! فقال لها بصوت ضعيف: يا أماه هذا اليوم الذي كنت تحذرينني ، وهذا الوقت الذي كنت تخوفينني !!، فيا أسفي على الأيام الخوالي ياأماه: إني خائف أن يطول في النار خبسي فقالت: ولدي وحبيبي أين الملتقى؟!! فقال لها: إن لم تجديني في عرصة القيامة،فاسألي عني مالكاً خازن النار!! ثم شهق شهقة فمات عليها!! فجهزته أمه، ثم خرجت تنادي : أيها الناس هلموا لإلى الصلاة على قتيل النار!! فلم ير أكثر جمعاً ولا أغزر دمعاً من ذلك اليوم 0
ماتت قلوب الكثير لا إله إلا الله
ألم يعرف ربنا ولم يؤدى حقه
ألم يقرأ القرآن ولم يعمل به
ألم يدعى عداوة الشيطان وهناك من والاه
ألم يدعى حب الرسول وترك أثره وسنته
ألم يدعى حب الجنة ولم يعمل لها 0
ألم يدعى خوف النار ولم ينتهى عن الذنوب
ألم يدعى أن الموت حق ولم يستعد له
ألم نشغل بعيوب غيرنا وتركنا عيوب أنفسنا
ألم يؤكل رزق الله ولم يشكر
ألم يدفن الموتى ولم نعتبر
أخي يا من لا يُرى من توبته إلا الوعود، فإذا تاب فهو عن قريب يعود أرضيت بفوات الخير والسعود ، أأعددت عدة لنزول الأخدود أما علمت أن الجوارح من جملة الشهود تالله أن حوض الموت عن قريب مورود والله ما الزاد في الطريق بموجود والله إن القيامة تشيب المولود و أن العمر محسوب ومعدود والوجوه غداً بين بيض وسود
لهونا عن الأيام حتى تتابعت *** ذنوب على آثارهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى *** ويأذن في توباتنا فنتوب
ذكر ابن القيم في كتاب "حلية الأولياء" لأبي نعيم (3/ 146) بينما كان العبد الصالح "محمد بن المنكدر" رحمه الله ، ذات ليلة قائماً يصلي من الليل، إذ استبكى وكثر بكاؤه، حتى فزع أهله وسألوه: ما الذي أبكاه؟!!
فاستعجم عليهم، واستمر يبكى ولا يقوى على الكلام!! فأرسلوا إلى صاحبه العبد الصالح "أبي حازم" رحمه الله، فأخبروه بأمره، فجاء " أبو حازم" إليه فإذا هو يبكي فقال له: يا أخي ما الذي أبكاك؟!! قد أفزعت أهلك!! فقال: إنني مررت بآية في كتاب الله عز وجل فبكيت!! قال: وما هي!! فقال : قول الله تعالى { وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } الزمر {47} ، فبكى "أبو حازم" أيضاً معه واشتد بكاؤهما!! فقال بعض أهله لأبي حازم: جئنا بك لتخفف عنه فزدته!! ومازال "ابن المنكدر" جزعاً من هذه الآية ولا سيما إن تذكر الموت، فقيل له: ولم تجزع؟!! فقال: أخشى آية من كتاب الله عز وجـــــــل { وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب 0
إلهي جلت ذاتك عن أن تدركها أبصارنا وجلت أفعالك عن أن تدرك تمام حكمتها أفهامنا وجلت الوهيتك عن أن تقوم بحقها عبادتنا وجلت نعمتك عن أن نقوم بشكرها جوارحنا ، وجلت عظمتك عن أن تخشع لها حق الخشوع قلوبنا وجلت رحمتك عن أن تستوجبها بقليل أعمالنا 0
نعوذ بك منك ونفر منك إليك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك0
وأخيراً أخي قف وقوف المنكرين الخضوع واستجلب الدموع
الغضب
ثم أتيت ذنباً فسترت ، وكم جنيت جناية فنظرت منا الحكم والكرم وإلا غفرت
إلهي :
قصدك عبد روحه لديك وقيادة بيديك واشتياقه إليك وحسراته عليك ليلة أرق ونهاره قلق وأحشاؤه تحترق ودموعه تستبق شوقاً إلى رؤيتك وحنيناً إلى لقائك ليس له راحة دونك ولا أمل غيرك0
إلهي :
وعزتك ما عصيناك اجتراء على مقامك ولا استحلالاً لحرامك ولكن غلبتنا أنفسنا وطمعنا في واسع غفرانك!!
فلئن طاردنا شبح المعصية، لنلوذن بعظيم جنابك0
ولئن استحكمت حولنا حلقات الإثم لنفكنها بصادق وعدك في كتابك0
ولئن أغرى الشيطان نفوسنا بالذة حين عصيناك فليغرين الإيمان قلوبنا بما للتائبين من فسيح جناتك !!
إلهي :
لولا ما جهلت من أمري ، ما شكوت عثراتي ، ولولا ما ذكرت من الإفراط ما سحت عبراتي ،
إلهي : فامحُ مثبتات العثرات بمرسلات العبرات وهب كثير السيئات لقليل الحسنات!!
إلهي: إن كنت لا ترحم المجتهد في طاعتك ، فإلى أين يلتجئ المخطئون؟!!
وإن كنت لا تكرم إلا أهل الإحسان فماذا يصنع المسيئون؟!!
وإن كان لا يفوز يوم الحشر إلا المتقون، فكيف يستغيث المذنبون؟!!
إلهي :
لو حسبتنا على خطوات النفوس لحشرتنا مع الأشرار!!0
ولو حسبتنا على تقصيرنا في حقك، لحشرتنا مع أهل النار!!
ولو حسبتنا على نسياننا لآلائك ، لما أمددتنا بجزيل نعمتك!!
ولو حسبتنا على تبرمنا (أي تسخطنا) بقضائك، لما حشرتنا مع المؤمنين!!
ولو حسبتنا على استبطاء رزقك ، لما كنا من المتوكلين!!
ولو وكلتنا إلى أنفسنا، لكنا من الهالكين!!
إلهي: فعاملنا بما أنت به أهل !! 0
إلهي: إن طردتني عن بابك فإلى باب من ألتجئ وان قطعتني عن خدمتك فخدمة مني ارتجي؟!!
إلهي: إن عذبتني فإني مستحق العذاب والنقم ، وإن عفوت عني فأنت أهل الجود والكرم، ياسيدي : لك أخلص العارفون ، وبفضلك نجا الصالحون ، وبرحمتك أناب المقصرون، يا جميل العفو أذقني برد عفوك وحلاوة مغفرتك، وإن لم أكن أهلاً لذلك فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة!!
وأسأل نفسك هذا السؤال قال ابن رجب: قال رجل لآخر هل أذنبت ذنباً قال: نعم، قال :فعلمت أن الله كتبه عليك قال: نعم ، قال: فأعمل حتى تعلم أن الله قد محاة عنك0
إذاً قف ذليلاً خاشعاً تناجي ربك وتذكر ذنوبك السالفات و تحسر على أيامك الماضيات
وآ حسرتاه على أصحاب لم ينفعوا، وآحسرتاه على أحباب لم يشفعوا!!
يا حسرتاه يوم طال السهر!! يا حسرتاه فلم أعد زاداً للحفر 0
يا حسرتاه على عمر مضى، وزمان ولى وانقضى، ولم أتق حر لظى!!
يا حسرتاه إذا كشف الديوان، بخطيئة اللسان وزلات الجنان وقبيح العصيان!!
يا حسرتاه إذا وضع الكتاب ونشر ما فيه من خطأ وصواب، وعرض الشباب!!
يا حسرتاه على صلاة أضعتها!! يا حسرتاه على زكاة منعتها!!
يا حسرتاه على أيام أفطرتها !! يا حسرتاه على أوقات أهدرتها!!
يا حسرتاه على ذنوب أرتكبتها !! يا حسرتاه على فواحش اقترفتها!!
يا حسرتاه يوم لم يلهج لساني بذكرك ، يا حسرتاه يوم لم تقم جوارحي بشكرك!!
يا حسرتاه يوم يفوز الصالحون بالدرجات !! يا حسرتاه يوم يهوي الظالمون في الدركات!!
إن الناظر في باب التوبه بادي الأمر قد يظن أنه محصور في عدة أمور فلا يتعداها ولا يتجاوزها
والحقيقة إن الحديث عن التوبة ذو شجون والكلام عليها متشعب طويل فللتوبة فضائل واسرار ولها مسائل واحكام ، فالتوبة تشمل كافة الناس وتخاطب جميع الطبقات فهي وظيفة العمر كما سماها ابن رجب الحافظ رحمه الله .
ومفاتيح المغفرة التي تعينك
1) الإيمان ، قوله تعالى : { والَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } { سورة غافر ،58}
2) التوحيد، قوله تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }{سورة النساء48 } وفي حديث ابي ذر في مسلم [ من لقيني بقراب الأرض خطايا لا يشرك بي شيئاً لقيته بمثلها مغفره ]
3) الصلاة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن ما اجتنبت الكبائر ـ أخرجه مسلم 0
4) الوضوء وكثرة الخطى للمساجد ، حديث ابي هريرة رضي الله عنه في مسلم [ ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يارسول الله قال: اسباغ الوضوء على المكارة وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة ]0
5) المحافظة والمداومة على صلاة الجمعة ، الحديث اخرجه مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام 0
6) بذل الصدقات ، قوله تعالى : { إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } { سورة البقرة ،271}
7) التجاوز عن المعسر، جاء من حديث ابي هريرة والذي أخرجه إبن حبان أن رجلاً لم يعمل خيراً قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله خذ ما تيسر واترك ما تعسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنك، قال فلما هلك قال الله هل عملت خيراً قط ، قال لا إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس فإذا بعثته ليتقاضى قلت له خذ ما تيسر واترك ما تعسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا قال الله تعالى قد تجاوزت عنك0
الصوم ، أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه 0
9) الحج والعمره، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .
10) التقوى ، قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } { سورة الأعراف ،96}
11) الاستغفار ، قوله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } { سورة آل عمران ،135}
12) الدعاء، حديث أبي ذر أخرجه مسلم مما رُوي عن الله تعالى [ يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، ياعبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعكم ، يا عبادي
13) بر الوالدين ، قوله تعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {15} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } { سورة الأحقاف ،15 ، 16}
14) الخوف من الله ، قوله تعالى : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } { سورة يس ،11} قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } { سورة الملك ،12}
15) الجهاد في سبيل الله ، قوله تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } { سورة الأنفال ،74}
16) الصبر ، قوله تعالى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ {10} إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } { سورة هود 10 ،11}
17) اجتناب الكبائر ، قوله تعالى : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا } { سورة النساء ،31}
18) الذكر ، قوله تعالى : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } { سورة الأحزاب ،35}
19) اتباع الرسول ، قوله تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {} قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } { سورة آل عمران ،31 ،32}
20) العفو ، قوله تعالى : { وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } { سورة النور ،22}
21) الانفاق ، قوله تعالى : { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } { سورة الانفال ،3 ،4}
22) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أخرجه البخاري من حديث حذيفة قال " بينما نحن جلوس عند عمر إذ قال أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة قال فتنة الرجل في أهله وماله يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال ليس عن هذا ـ أسألك إلى آخر الحديث0
23) الصلاة على رسول الله والطواف بالبيت ، وقيام الليل وليلة القدر وكظم الغيظ ومصافحة المسلم لأخيه المسلم وقراءة القرآن وأعمال الخير كلها وأعمال البر كلها 0
هذا نداء للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات (وتوبوا إلى الله جمعياً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) ، والتائب هو الذي عاد إلى الله ورجع وأناب ، والتوبة أخي التائب يا من جئت إلى ربك لا بد أن يُجمع فيها ما يلي:ـ
1) الإقلاع عن الذنب0
2) الندم على ما فات والحد الأدنى من ذلك وجود أصل الندم0
3) العلم بقبح الذنب0
4) العزم على ألا يعود0
5) تدارك ما يمكن تدراكه من رد المظالم ونحو ذلك0
6) أن تكون خالصة لله عز وجل0
7) أن تكون قبل الغرغرة ، لما جاء عن أبن عمر رضي الله عنه قال : أن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، كما قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله0
وتقبل التوبة قبل الغرغرة كما أتى في الشرعة المطهرة
أن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها ، لما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" 0